عودة “سويفت” إلى سوريا بوابة نحو انفتاح مالي بعد أكثر من عقد من العزلة

للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، شاركت سوريا ممثلةً بحاكم مصرفها المركزي عبد القادر الحصرية، في مؤتمر سيبوس 2025 المنعقد في مدينة فرانكفورت الألمانية.
وذلك بعد رفع العقوبات الأميركية في تموز الماضي وإعادة الاتصال بشبكة “سويفت” العالمية.
فمنذ عام 2011، حُرمت البلاد من استخدام هذا النظام نتيجة العقوبات، الأمر الذي جعل التحويلات المالية تتم عبر قنوات غير نظامية.
حيث امتازت هذه القنوات بتكلفة أعلى، وبطء أكبر، ومع درجة عالية من المخاطر.
اليوم، وللمرة الأولى منذ أكثر من عقد، استأنف مصرف سورية المركزي العمل عبر “سويفت”.
وباتت البنوك السورية قادرة على إجراء تحويلات مباشرة إلى أي بنك في العالم بكفاءة عالية وموثوقية كاملة.
هذه الخطوة لا تعني التجار والمستثمرين فحسب، بل تشمل أيضاً كل من يرغب في تحويل الأموال أو استلامها عبر قنوات قانونية مضمونة.
ما هو نظام “سويفت”؟
يُعتبر نظام SWIFT (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) شبكة مالية دولية تُستخدم لتبادل الرسائل والتعليمات الخاصة بالتحويلات البنكية بين المؤسسات المالية حول العالم.
ومن خلاله، يمكن لأي بنك إرسال واستقبال الأموال بسرعة وأمان وشفافية، ما يجعله العمود الفقري للمعاملات المالية العالمية.
سنوات العزلة المصرفية
منذ عام 2011، وجدت البنوك السورية نفسها خارج منظومة “سويفت”، ما أدى إلى تعطّل شبه تام في التحويلات الدولية.
فقد اضطر التجار والمستثمرون إلى الاعتماد على وسطاء وشبكات غير رسمية لتحويل الأموال، ما تسبب بتكاليف مرتفعة وتأخيرات كبيرة ومخاطر أمنية واقتصادية.
وبمرور الوقت، انعكس ذلك على حركة التجارة الخارجية والاستثمار، وخلق فجوة بين النظام المالي السوري وبقية العالم.
العودة إلى النظام العالمي
في عام 2025، أعلنت مصادر رسمية أن مصرف سوريا المركزي استأنف اتصاله بشبكة “سويفت”.
لتصبح البنوك السورية قادرة من جديد على تنفيذ التحويلات المباشرة مع البنوك العالمية.
ووفق تصريحات حاكم المصرف المركزي، فقد أُجريت أولى التحويلات التجريبية مع أحد البنوك الإيطالية.
وذلك في إشارة واضحة إلى بدء التطبيق العملي للنظام.
وتُعدّ هذه الخطوة بداية لعودة تدريجية، إذ لا تزال بعض البنوك الدولية تتعامل بحذر إلى حين التأكد من التزام المصارف السورية بالمعايير الدولية للشفافية ومكافحة غسل الأموال.
من يستفيد من عودة “سويفت”؟
لن تقتصر الفائدة على المؤسسات الحكومية والمصارف، بل تمتد إلى القطاع الخاص والأفراد.
إذ سيتمكن التجار من تحويل أموالهم بطرق قانونية ومباشرة، كما سيتمكن السوريون في الخارج من إرسال الحوالات لأسرهم عبر قنوات مصرفية رسمية بدلاً من السوق السوداء.
وهذا يعني انخفاض التكاليف، وسرعة في التنفيذ، وأماناً مالياً أكبر.
التحديات أمام التنفيذ الكامل
رغم التفاؤل الكبير، لا تزال العودة إلى “سويفت” تواجه تحديات عملية.
فالبنية التحتية التقنية للمصارف السورية تحتاج إلى تحديث، كما أن البنوك العالمية قد تتريث قبل استئناف التعامل الكامل مع المصارف السورية، خوفاً من المخاطر القانونية والمالية.
إضافة إلى ذلك، يتطلب الأمر التزاماً صارماً بالمعايير الدولية لضمان الشفافية وتطبيق سياسات مكافحة غسل الأموال.
خطوة أولى في طريق طويل
عودة سوريا إلى شبكة “سويفت” تمثل أكثر من مجرد حدث تقني؛ إنها إشارة إلى بداية انفتاح مالي واقتصادي جديد.
لكن الطريق لا يزال طويلاً. فنجاح هذه العودة يعتمد على قدرة النظام المصرفي السوري على استعادة الثقة الدولية، وتحسين كفاءته وشفافيته.
ومع أن الباب قد فُتح أخيراً بعد أكثر من عقد من العزلة، إلا أن العبور الآمن إلى النظام المالي العالمي سيحتاج إلى وقت وجهد واستقرار اقتصادي حقيقي.